مــقـدمـة:
تعتبر حماية البيئة الحضرية في وقتنا الراهن من أهم الأولويات و الاستراتيجيات نظرا لما أصبحت تعاني منه المدن الجزائرية خاصة في الآونة الأخيرة من تدهور في بيئتها الحضرية حيث شهدت الجزائر منذ الاستقلال في هذا الجانب تعدد القوانين و المراسيم التي تحدد كيفية المحافظة على بيئة صحية داخل المدن وكذا كيفية تسيير و معالجة هذه النفايات الحضرية الصلبة بطرق صحية و قانونية .
لذا ارتأينا أن يهتم الفصل الأول بإعطاء مفاهيم شاملة للبيئة والبيئة الحضرية، و التطرق إلى وضعية البيئة الحضرية بالجزائر، و انعكاساتها على مختلف مدنها بما في ذلك مدينة سطيف، و وهذا للتحكم في الموضوع من الجانب النظري ليسهل علينا فيما بعد التحكم في العمل التطبيقي، بالإضافة إلى تحديد أهم القوانينو المراسيم التشريعية المتعلقة بحماية البيئة و تسييرها، و إبراز مكانة البيئة من الجانب الشرعي وذلك من خلال القرآن و السنة.
.
I- تحديد بعض المفاهيم و المصطلحات.
I-1-مفهوم البيئة:
تعددت تعاريف البيئة تبعا لمختلف التخصصات التي تناولتها بالدراسة، لكن كل هذه التعاريف أجمعت على أن البيئة هي وسط أو مجال أو حيز شمل مساحة معينة، قد تكون صغيرة أو كبيرة بكل ما تحويه هذه المساحة (الوسط) من عناصر حية و عناصر غير حية (جامدة) موجودة في هذا الوسـط تؤثر فيـه و تتأثر به تتفاعل معـهو في الوقت نفسه ترتبط فيما بينها بعلاقات متبادلة، و جميع هذه العلاقات و التأثيرات المتبادلة تحدث في نظام معين، و في إطار عملية تبادل المواد و الطاقة في النظام البيئي.( )
و نظرا لتزايد أهمية البيئة على الصعيد الدولي فقد ورد تعريفها في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة الحضرية و البشرية الذي انعقد في ''ستوكهولم'' عام 1972 بأنها رصيد الموارد المادية و الاجتماعية المتاحة في وقت ما و في مكان ما لإشباع حاجات الإنسان و تطلعاته.
كما تم تعريف البيئة من طرف بعض العلماء بأنهاهي الإطار الذي يعيش فيه الإنسان و يحصل منه على مقومات حياته من غذاء و كساء و مأوى، و يمارس فيها علاقاته مع أقرانه بني البشر( ).
I -2- تعريف البيئة( ):
لأجـل البحـث في موضوع البيئـة و كـافة الإشكـالاتالتي يثيرها يستوجب إعطـاء تعريـف دقيـق للبيئـة ونستهل ذلك بتعريفها لغة واصطلاحا لنصل في الأخير إلى وضع تعريف قانوني لها .
* التعريف اللغوي و الاصطلاحي(3):
إن كلمة بيئة ، كلمة مشتقة من الفعل "بوأ" و هذا ما يستشف من الآية الكريمة بعد قوله تعالى : " واذكروا إذ جعـلكمخلفـاء من بعد عاد و بوّأكم في الأرض تتخـذون من سهولـها قصـورا و تنـحتون منالجباـل بيـوتا فاذكروا آلاء الله و لا تعثوا في الأرض مفسدين ".
و يقاللغة :تبوّأت منزلا بمعنى هيأته و اتخذته محل إقامة لي ، و قد يعنى لغويابالبيئة الوسطوالاكتناف والإحاطة .
فيما يرى البعض الآخر أن البيئـةلفظ شائع يرتبط مدلولها بنمـط العلاقة بينها و بين مستخدميها حيث نجد أن بيئةالإنسان الأولى هي رحم أمه ثم بيته فمدرسته.أما فيما يخص علم البيئةفهو مصطلح إغريقي مركب من كلمتين:"oikes" بمعنى منزل و"logos" بمعنى العـلم،و بذلك فعلـم البيئـة هو العلـم الذي يهتـم بدراسـة الكائن في منزله حيث يتأثرالكـائن الحي بمجمـوعة من العوامل الحيةوالبيولوجية وغير الحية الكيميائية والفيزيائية.
أما التعريف الاصطلاحي فمن الصعوبة بما كان وضع تعريفجامع مانع للبيئة نظرا لوجود عدة مفاهيـم لها صلة وثيقـة بها، لذا فهناك منيرى أن مفهوم البيئة يعكـس كل شيء يرتبـطبالكائنات الحية ، و هناك من يعتبر البيئة جميع العوامل الحية و غيرالحية التي تؤثر على الكائن الحي بطريق مباشر أو غير مباشر و في أي فترة منفتـرات حياته ،فيما نجد تعـريفا آخـر يتجه إلى أن البيئة هي المـحيط الذييعيش فيه الإنسـان بما يشمـله من ماء هواء ،فضاء، تربة ، كائنات حية و منشآتأقامـها الإنسان لإشباع حاجـاته وبالنـظـر إلى هـذا التعريف نجده وعلىخلاف التعاريف السابقة قد أضاف عنصرا جديدا إلى جانب العناصر الحية وغيرالحية ويتمثل في جملة المنشآتالتي أقامها الإنسان كجزء هام من مكوناتالموارد البيئية.
ومن جملة التعاريف السابقة، يمكننا وضع تعريف تقريبيللبيئة قوامه أنها مجموعة من العوامل الطبيعية الحيةمنـها و غير الحية من جهة، و مجمـوعة من العوامـل الوضعية المتمثلة في كـل ما أقامه الإنسـان من منشآت لسدحاجياته من جهة أخرى.
I-3- تعريف البيئة الحضرية( ):
يصعب إيجاد تعريف شامل و متفق عليه بالنسبة للبيئة الحضرية، و يرجع هذا إلى عدة عوامل أهمها:
صعوبة تقديم تعريف دقيق للمدينة في حد ذاتها، و اختلاف هذه التعاريف من تخصص علمي إلى آخرو من بلد إلى آخر، فالمدينة ظاهرة معقدة و متطورة و متغيرة في الزمان و المكان تتميز بتنوع أنشطة سكانها و اختلاف مظاهرها المورفولوجيا و تباين كبير في فئات و أعداد سكانها و قطاعاتهم المهنية و الاجتماعية (عمال، حرفيينموظفين، أصحاب المهن الحرة ...) و من ثم تتعدد المعايير المعتمدة في تعريف المدينة: نوعية النشاط، عدد السكان، المنظر المورفولوجي ...
إن صعوبة تقديم تعريف دقيق للمدينة، و بالتالي صعوبة تقديم تعريف للبيئة الحضرية، يجعل بعض الدول تعتمد المعيار الإداري لتحديد المدينة و نمطها، و تعتبر الجزائر من بين الدول المعتمدة على المعيار الإداري والذي هو قرار إداري يعطي صفة المدينة على تجمع سكاني معين متوفر على شروط معينة.
و بالحديث عن البيئة الحضرية بالجزائر فهي تختلف باختلاف مدنها، و لكن رغم الاختلاف الموجود، يمكن أن نجد بعض العناصر الموحدة:
* أن البيئة الحضرية هي من صنع الإنسان، فهي إذن إنتاج تأثير الإنسان في بيئته الطبيعية.
* أن الوعي للإنسان بهذا الفعل جعله يسعى إلى تنظيمه و إعادة خلق نوع من التوازن بين عناصره من ثم ظهرت المخططات الحضرية، و التي يبقى هدفها الأساسي هو المحافظة على التوازن بين مختلف عناصر المجال الحضري سواء الطبيعية منها و كذا المصطنعة (أي تلك التي هي من فعل و صنع الإنسان) من أجل خلق البيئة الملائمة لحياة هذا الإنسان و ضمان سلامته و استمرار يته.
I-4- تعريف النظام البيئي( ):
هو جزء من البيئة متكامل العناصر والمكونات (الحية والغير الحية)،والتي تتفاعل مع بعضها البعض حيث يتأثر ويؤثر كلا منهما على الأخر حسب نظام دقيق ،وينقسم إلى قسمين:
أ) مجموعة العناصرغير الحية:
وتشمل هذه المجموعة العناصر الجامدة مثل: الهواء و الماء و التربة والصخور.....الخ.
ب) مجموعة العناصر الحية:
وتشمل هذه المجموعة جميع الكائنات سواء كانت حيوانية أم نباتية بالإضافة الى الانسان.
I-5- تعريف النظام البيئي الحضري( ):
المفهوم الخاص بالنظام البيئي الحضري يتمثل في نشاطات الانسان،وما يقوم به يوميا من القضاء على مساحات شاسعة للحصول على مناطق سكنية و غير ذلك من النشاطات البشرية التي تؤدي إلى تدمير النظام البيئي الطبيعي و تحويله إلى نظام بيئي حضري، مما يؤدي إلى إحداث تغير في مكونات النظام البيئي الطبيعي.
I-6-تعريف التوازن البيئي( ):
هو التوازن الذي يحدث نتيجة اعادة أي خلل أو تغير، أو تعديل في مكونات عناصر البيئة الحضرية واعادتها الى طبيعتها مرة أخرى ونلمس ا التوازن في دورة الكربون على سبيل المثال: عندما يقوم النبات بامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء ويستخدمه في صنع ما يحتاج اليه من غذاء ويطلق في هذه العملية غاز الأكسجين في عملياته الحيوية، وفي الحصول على الطاقة اللازمة، وتطلق بدورها ثاني أكسيد الكربون الى الهواء لتستخدمه بعد ذلك عناصر الانتاج الأخرى.
الجدول رقم: (01) مقارنة بين النظام البيئي الطبيعي و الحضري.
النظــام البيئــي الحضــري. النظــام البيئــي الطبيعــي.
* مصادر الطاقة:
تعدد مصادرا الطاقة و معظمها غير متجددة كالوقود.
معظم المصادر مسببة لجميع أنواع التلوث.
* العناصر الأساسية:
- العناصر المنتجة: المنتجات و المتمثلة في الصناعة، الخدمات...
- العناصر المستهلكة: مثل السكان و الحيوان.
- العناصر المحللة: غياب العناصر المحللة و الذي تمثلها المدينة في النظام البيئي الحضري.
* المخلفات:
إنتاج نفايات حضرية منها السائلة، الصلبة و الغازية أغلبها غير قابل للتحلل
* مصادر الطاقة:
تعد الشمس مصدر الطاقة الوحيد في النظام البيئي الطبيعي، و هو مصدر لا يتسبب في أي نوع من أنواع التلوث.
* العناصر الأساسية:
- عناصر حية منتجـة: الكائنات الحية المنتجة كالنبات.
- عناصر حية مستهلكة: الكائنات الحية المستهلكة كالحيوانات.
- عناصر حية محللــة: الكائنات الحية المحللة كالبكتيريا.
* المخلفات: لا يتم إنتاج مواد سامة غريبة عن البيئة.
المصدر:بن بوزيد وزميله ، وضعية البيئة الحضرية في المدن الجزائرية ( شهادة مهندس دولة، المركز الجامعي أم البواقي ص 15سنة 2006 + معالجة الطالبين).
من خلال مقارنة النظام البيئي الطبيعي و النظام البيئي الحضري، نلاحظ الفرق بين النظامين و المتمثل خاصة في التوازن بين عناصر و مكونات النظام البيئي الطبيعي و غيابه بين عناصر و مكونات النظام البيئي الحضري.
يعتبر النظام البيئي الطبيعي حلقة متوازنة، و دورة كاملة تستمر فيها الحياة بصفة طبيعية، و هذا راجع إلى التكامل و التوازن بين مختلف عناصره.
و على خلاف النظام البيئي الطبيعي، فالنظام البيئي الحضري يفتقر إلى عناصر فاعلة، مما يؤدي إلى اختلال في التوازن و غياب التكامل بين عناصره، ويوضح الشكل رقم (01) الفرق بين النظامين البيئيين: الطبيعيوالحضري.
الشكل رقم: (01) مقارنة بين النظامين الطبيعي و الحضري.
المصدر: بن بوزيد وزميله ، وضعية البيئة الحضرية في المدن الجزائرية ( شهادة مهندس دولة، المركز الجامعي أم البواقي ص 16سنة 2006 + معالجة الطالبين).
و يشتمل النظام البيئي الحضري على عدد من الأنظمة الفرعية و هي: الأنظمة الاجتماعية، السياسية الثقافية، التكنولوجية و الاقتصادية.
و يقصد بالبيئة الاجتماعية القائمة بين الأفراد و الجماعات التي ينقسم إليها المجتمع، أما الأنظمة السياسية سواء أكانت في المجتمعات التقليدية أو المجتمعات المتقدمة فهي تلعب دورا هاما في التنمية البيئية و استغلال الموارد الطبيعية، إذ تتخذ القرارات الخاصة بالتنمية من قبل النظام السياسي بمؤسساته و تشريعاته و قوانينه المختلفة.
I-7- أنواع البيئة و البيئة الحضرية( ):
بما أن تعريف البيئة هو مجال واسع لا يمكن حصره، فهل يمكننا تصنيف أنواع البيئة؟
يوجد تصنيفات لأنواع البيئة:
I-7-1- التصنيف الأول: أنواع البيئة الطبيعية:
يعتمد هذا التصنيف على نوعين للبيئة هما:
* بيئة ماديــة: و تتمثل في الهواء، الماء و الأرض.
* بيئة بيولوجية: و تتمثل في البنايات، الحيوانات و الإنسان.
I-7-2- التصنيف الثاني: أنواع البيئة الحضرية:
في ظل التقدم الكبير و التحضر السريع الذي عرفه العالم بشكل مستمر، فيمكننا تقسيم البيئة الحضرية إلى ثلاثة أنواع أخرى مرتبطة بالتقدم الذي أحدثه الإنسان.
I-7-2-1- بيئة طبيعية:
و التي تتمثل أيضا في الهواء، الماء و الأرض. و هي بذلك تتكيف و تتفاعل ضمن ما يعرف بموضع المدينة أين أقيمت كتلتها المبنية.
I-7-2-2- بيئة اجتماعية:
و هي مجموعة القوانين و النظم التي تحكم العلاقات الداخلية بين أفراد المجتمع إلى جانب المؤسسات و الهيئات السياسية و الاجتماعية.
I-7-2-3- بيئة صناعية:
وهي التي صنعها الإنسان من سكن، تجهيزات، مصانع و شبكات الاتصال.
و من خلال التصنيفات و الأنواع السابقة للبيئة يمكن أن نلخص أنواع البيئة في: بيئة طبيعية وجدت بوجود الكون و بيئة مستحدثة و هي التدخلات غير الطبيعية و العناصر غير الطبيعية.
الرئيسية 